ملفات شبه خاوية من الفساد
ملفات شبه خاوية من الفساد
في ظل ما تمر به البلاد من تخبط سياسي وصراع متعدد الأهداف والتوجهات الفكرية والحزبية والطائفية، إضافة الى تدهور الأوضاع الإقتصادية والأمنية، وهي مرحلة مخاض عسير تمر بها البلاد والعباد تتلخص في مقولة (التأريخ يعيد نفسه) وهي ذات الاهداف التي خرج من اجلها الشعب قبل ثلاث سنوات والتي أفضت الى إحداث تغيير في المعادلة السياسية والوطنية من خلال الحوار الوطني الشامل الذي علقت علية الآمال وتوجهت نحوه الأنظار كمخرج استثنائي لتحقيق اهداف الثورة والتوجه نحو الإصلاحات العامة والتحول الجاد لبناء دولة يمنية حديثة وغيرها من مخرجات الحوار الوطني.
ومع ما يحدث اليوم من هيجان شعبي ومطالب واسعة تحمل ذات الاهداف وإن طغى عليها عامل الوقت والحسابات السياسية والحزبية، إلا انها تؤكد حقيقة الوضع القائم والعيش في مفترق طرق يجب التعامل معها بعقلانية ومسؤولية، والحرص على عدم الاكتراث لأي خطأ والتأني في إتخاذ القرارات وأبعادها الحالية والمستقبلية وبعيدا عن أية حسابات ومكايدات أو التسرع بتنفيذ بعض الإجراءات التي تخدم أو تعزز بعض القرارات لإقناع المجتمع بأنها معالجات تندرج ضمن مخرجات الحوار الوطني وفي إطار منظومة الإصلاحات الوطنية، بينما أن حقيقتها مجرد خطوات على عجالة من امرها نتيجة للضغط المجتمعي والشعبي والمطالب التي أعلنتها حركة انصار الله ،رغم معرفة الجهات أن تلك الخطوة تهدف إلى إحتواء الموقف وامتصاص غضب الشارع على نية الإصلاحات ومكافحة الفساد.
ولكون المعضلة القائمة تتمثل في الأوضاع الإقتصادية والتنموية والاستثمارية، فإن خيار معالجاتها لا تأتي من طرف واحد أو من خلال إبتكار الخطط وتوظيفها على حساب العمل السياسي أو ما يفرضه الواقع والتعامل معه بشكل آني ومحدود أو مجرد تحصيل حاصل ومن زاوية ضيقة والبحث عن (كبش فداء) باسم مكافحة ومحاربة الفساد، ولكن يجب على الجهات العليا أن لا تعود الى المربع الأول في ظل علمها ووعيها بالمتغيرات وما هو قائم على طول الساحة وعرضها.
ولذلك رغم انني لم أقرا مخرجات الحوار الوطني أو ما يمنع الناس من التظاهر السلمي إلا أن ذلك ليس ما اريد الدخول فيه......او تناوله في هذا السياق وإنما بدأت بهذه المقدمة للربط بينها وبين عنوان المقال، حين تفاجئنا نحن أبناء المهنة الهندسية والعاملين بالمشاريع الاستثمارية من الزج ببعض منتسبي كياناتنا في معركة سياسية وحزبية ككبش فداء وذلك من خلال الاشهار والتشهير بزملاء المهنة من المهندسين والمقاولين من خلال اعلان الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد عن ملفات إجرائية النوع مكانها الهيئة العليا للرقابة على المناقصات(حتى وإن اعتبرنا أن الهيئة الوطنية ذاتها لا يوجد حكم قضائي ببطلان تشكيلها) لكن ما يمكن قراءته أن الاستعجال فيما ذهبت الية هيئة مكافحة الفساد يأتي بهدف إرضاء من خرجوا الى الشارع يحملون ضمن مطالبهم إخراج ملفات كبار الفاسدين من بركة الفساد ومن ناتج استعادة الدولة لأموالها الكثيرة منهم، من اجل التعويض في رواتب الموظفين وايضا دعم موازنة الدولة وكذلك التعويض للمتضررين عما سببه قرار رفع أسعار المحروقات.
ولهذا يجدر القول بأنه ليس من المهم الاعلان في التلفزيون عن فساد مشبوه في ظل عدم تحقق استعادة أي مال لخزينة الدولة.... ثم ليس القصد من ذلك هو سماع المواطن من الدولة بأنها بدأت تتحرك وأن اهم الملفات بدأت بالظهور وأن الدولة (الرئاسة والحكومة وهيئاتها) قد اهتمت لمطالب الشعب وبدأت بمحاسبة الفاسدين، هنا سنقول لهم لا... وثم لا.. لأن ما يتم هو مزيدا من الاضرار بنخبة ابناء المهنة الهندسية ومزيدا من التستر على ملفات فساد كبيرة مخرجاتها مليارات الدولارات لم يتم إجبار أصحابها على إعادتها، ولكن يجب أن نقول كلمة حق أمام هذا التستر الجائر عن ملفات فساد على المستوى الوطني وهي قضايا فساد جدير بالدولة الإهتمام والكشف عنها بنزاهة وشفافية للرأي العام ومحاسبة كل من يقف ورائها وهي أمثلة بسيطة نقدمها للدولة وأن نشارك معا كي نحسب العائد المالي أو طرق إستخدام المبالغ الممكن توريدها الى خزينة الدولة اعتمادا على مخرجات الحوار الوطني أو قوانين مكافحة الفساد في حال لو اتجهت الحكومة وهيئات رقابتها في الإهتمام بمتابعة ذلك والتي منها الاتي :
- إن المبالغ المالية الموردة ولمره واحده (مدعومة بشروط الإستثمار في الداخل والخارج) تساوي نحو(10)مليار دولار على أقل تقدير.
- إن المبالغ المضافة لتسويات الموظفين وبصورة غير مباشره وبشكل شهري(حتى ولو لزمن محدد) يمكن أن تبلغ(.......) الى ما لانهاية من الارقام فقط من خلال عائدات (الجمارك- الضرائب- القات- ايرادات التحسين- الواجبات الزكوية)وغيرها.
- إظهار الملفات الذي طالب بها انصار الله واجبار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للجلوس مع اللجنة المختصة في الحوار الوطني لاستعادة ولو جزء من المال المؤكد وجوده مع المتهمين من خلال التقارير المؤكدة لدى الهيئات الدولية والمحلية الذي جمعت المعلومات حول حجم المال الفاسد لدى هؤلاء.
- ان تسعى الحكومة لإستعادة أموالها المجمعة لدى محتكري المحروقات أثناء أزمة المحروقات ومن كل محافظات اليمن وهي بالمليارات والذي بدأوا يحصدونها منذ اقرار الحكومة للسعر الجديد.
- أخيرا وهو الأهم أن تقوم الحكومة بتركيب موازنتها المختصة وأجهزتها حول ما رفعه المصنعون المحليون والتجار على كل موادهم الاستهلاكية وغيرها من مواد البناء.
وفي هذه الحالات وغيرها لو أعادت وزارة الاقتصاد الجلوس مع المحاسبين القانونيين الذين يختمون ميزانيات هؤلاء لمعرفة منهم بأن أصل الربح القائم مع هؤلاء وقبل رفع المحروقات يتجاوزون 100% يظهر منها الموزع كأرباح للمساهمين من 20- 25% ومثلها كاحتياطي عام او تطوير... السؤال أين تذهب الباقي وهذا سر يعرفه كل محاسب قانوني صاحب ضمير، ولو قامت هيئات الرقابة الحكومية وبالاستعانة بالخبراء في حساب كلفة المخرجات الصناعية الذي تقدم كجهات الاختصاص لوجدت أن المصنع يخسر من جيبه وهذا شيء مضحك وفساد فاضح والا من أين ياتي هؤلاء بما هم فيه من غناء ونعيم في الداخل والخارج، ولو حاولت الحكومة فقط التعمق في البحث عما يقوم به التجار من دفع للحمالين حال دخول موادهم الخام وكيف تتغير الوثائق في الاسعار بين المسجل في دفاتر التكاليف الصناعية وتصريحات دخول المواد الخام لوجدت أين تكمن بؤر الفساد ومنافذه التي لا تعد ولا تحصى.
اما في حساب الارباح وتقدير الضرائب فحدث ولا حرج من التلاعب وفي كل منافذه التجارية والصناعية ومنافذ القات(مقارنة بحجم استهلاكه اليومي) إلى جانب أن هناك باب للتلاعب في العوائد الحكومية تأتي من التلاعب بالإعفاءات الاستثمارية وفي كل الابواب(صناعية- عقارية- سياحية- زراعية) وغيره وتخسر الدولة في هذا الباب عائدات من الاموال ما يشيب له الشعر وتقشعر منه الابدان.
ولكوني غير خبير بمؤثرات رفع أسعار المحروقات وتداعياتها على واقع الحياة اليومية والمجتمعية...لكني ساترك للمختصين حساب مدى تأثير تلك المبالغ وكيفية قدرتها على امتصاص الضرر القائم وكذلك الفترة الزمنية التي يمكن الإستفادة منها في مثل هذه الحالة، كما هي دعوة موجه لكافة الخبراء والمختصين في مجال التطوير الإقتصادي والتنموي المبادرة الى تقديم إستراتيجيات تنموية وخطط سريعة ومجدية للتعامل مع تلك الموارد وطرق استرجاع ولو جزء منها ووضع الخطط الكفيلة بتنفيذها على مستوى المحافظات والأقاليم من منظور خدمي وتنموي وإستثماري تشارك فيه كافة مؤسسات وهيئات الدولة وقطاعاتها المختلفة من أجل خدمة الإقتصاد الوطني.
وأن نفكر بمسؤولية في كيفية تجاوز المرحلة الراهنة من خلال برامج فاعلة تكون في مقدمتها الحرص على اهمية التعريف العلمي والمنطقي لمفهوم ومصطلح (الفساد) وتوصيفه بشكل دقيق، حتى لا يظل تعريفة مبهما وغامضا كما هو مصطلح(الإرهاب) وحتى لا يظل الفساد مصطلحا نطلقه على من نريد ومتى ما نريد او استخدامه عند الطلب لتبرير المواقف والاخطاء وحسب ما تقتضية التداعيات والمصالح والأهواء السياسية كما هو حاصل اليوم، فالفساد يحتاج الى رقابة مستمرة وإجراءات فعالة- إذا ما أردنا المساهمة في تحسين الوضع القائم وتحصيل الإيرادات التي يفترض أن تورد الى خزينة الدولة بأرقامها الحقيقية والقانونية كومها حق وملك لكل فئات الشعب بدلا من أن تذهب الى جيوب المتنفذين والفاسدين كما هو قائم وبعلم ودراية الدولة والحكومة وهيئاتها الرقابية المختصة دون أن تحرك ساكنا لأسباب غير مبرره على الإطلاق.
ولأهمية تحقيق ذلك يجب أن تعرض مثل هذه الخطوات على بعض (ممن تم الإشارة اليهم في هذا السياق) أو جميعهم على أن تكون من اولويات تحقيق تلك الخطوات الإتفاق معهم على ميثاق شرف يمنع العودة بهم الى الماضي، طالما وقد ساهموا بأموالهم واستثماراتهم داخل الوطن والإستفادة منها وليس خارجه، حرصا على المصلحة الوطنية العليا وكخيار أمثل لمعالجة الاوضاع الإقتصادية وتحقيق ولو جزء من مطالب المجتمع، وبما يفضي إلى إقامة وتأسيس دولة مدنية حديثة تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وهي حقيقة يجب ان ندركها بعين العقل والصواب قبل فوات الآوان.
.